الحالات التي يجوز فيها الزنا
ما هي الحالات التي يجوز فيها الزنا؟ وما هي الأنواع المختلفة من الزنا؟ فمما لا شك فيه أن جميع الأديان السماوية وأولها الإسلام قد قامت بتحريم الزنا تحريمًا قطعيًا، وفي الدين الإسلامي يعد الزنا من الكبائر التي نهى الله تعالى عن ارتكابها في القرآن والسنة نهيًا لم تختلف فيه الآراء بين الفقهاء، لكن هل هناك حالات يكون بها الزنا جائزًا، هذا ما سنتعرف إليه من خلال موقع مرحبا.
الحالات التي يجوز فيها الزنا
عند النظر إلى قواعد الأديان السماوية الثلاثة فيما يخص الكثير من العبادات والمعتقدات والسلوكيات نجد أنه من المحتمل وجود اختلاف كبير بين كل ديانة والأخرى، وذلك لاختلاف المعتقدات وغيرها من الأسباب.
أما عند النظر فيما يتعلق بالزنا في الأديان الثلاثة نجد أنه مهما اختلفت الآراء والمعتقدات، لا تزال النتيجة واحدة، وهي التحريم القاطع للزنا، والاختلاف قد يكون في العقوبة التي يلقاها الزاني في كل دين من الأديان.
عند الحديث عن الدين الإسلامي تحديدًا نجد أنه الدين الذي جاء به تحريم الزنا في القرآن والسنة تحريمًا لا خلاف فيه، ويقول الكثير من الشيوخ والفقهاء أنهم يتعرضون باستمرار لتساؤل البعض عن الحالات التي يجوز فيها الزنا، وتكون الإجابة في هذه الحالة واضحة لا نقاش فيها، وهي أن الزنا محرم بكل حالاته وأنواعه ولا يوجد أي حالات يجوز فيها الزنا.
حيث حرم الله تعالى في القرآن الكريم الزنا وكل الطرق التي قد تؤدي في النهاية إليه مهما كانت بسيطة وبعيدة بظن البشر أنها قد تقود إلى الزنا، فقد حرم النظرة والملامسة وحتى خلو المرأة بالرجل بمفردهما لأي سببٍ كان.
فقد كان قوله ـ سبحانه وتعالى ـ قاطعًا وواضحًا في الآية الكريمة التي قال فيها: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [سورة الإسراء: الآية 32] كما شدد الله تعالى في الآيات الكريمة على عقوبة فاعل الزنا في الدنيا وتوعد له بأضعاف العذاب في الآخرة.
لذا لا يجوز أن يقرب المسلم أو المسلمة الزنا تحت أي حال من الأحوال، ولا يحاول أن يحلل هذا الفعل الشنيع لنفسه، كما يجب العلم أن الله تعالى إذا حرم شيئًا كان الثمن الذي يأتي من خلاله حرام أيضًا، وبالتالي لا يمكن القول إن ممارسة الزنا هي فعل لكسب المال لأنه لا توجد وسيلة أخرى.
اقرأ أيضًا: هل يجوز إخفاء الزنا عن الخاطب
أنواع الزنا في الدين الإسلامي
في اللغة العربية يطلق لفظ الزنا على الأفعال التي يتم وصفها بالفاحشة وارتكاب الفجور، أما في الشرع والاصطلاح فهو أن يطأ الرجل أو المرأة بشكل محرم بغير زواج، ولا يمكن تشبيه الزنا بالنكاح ولا بملك اليمين.
بعد معرفة أنه لا يوجد صحة في الدين والفقه لقول الحالات التي يجوز فيها الزنا، يكون من الضروري التعرف على أنواع الزنا التي تم تقسيمها في الدين الإسلامي، والتي تتمثل في كلٍ مما يلي:
1ـ الزنا الحقيقي
هو نوع الزنا الفعلي الذي ينشأ بين الرجل والمرأة، أي وقوعهما في الفاحشة دون نكاح، أي أن الرجل يأتي المرأة الغريبة عنه والتي لا تحل له كزوجة وتقام الفاحشة بينهما في أي وضع من الأوضاع، سواءً أتاها من الدُبر أو من القُبُل.
2ـ الزنا المجازي
أما النوع الثاني من الزني والذي لا يخالف كونه فعلًا محرمًا من الكبائر فهو الزنا المجازي، ويقصد بهذا النوع من الزنا أنه أي نوع من الأفعال التي قد تؤدي في النهاية إلى وقوع الزنا، والتي لا يمكن القول إنها زنا مباشر، لكنها في الأخير تندرج تحت البند ذاته.
أتى الإثبات على ذلك في قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال:
“ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ علَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذلكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلكَ، أَوْ يُكَذِّبُهُ” [رواه مسلم عن أبي هريرة في صحيح مسلم]
هنا أوضح الحديث الشريف أن هناك مجموعة من أفعال الزنا المجازية التي يمكن أن يرتكبها المسلم أو المسلمة دون دراية بأنها بمثابة الزنا، والتي تتمثل في:
- زنا العين: والذي يقصد به نظر المسلم إلى ما حرم الله تعالى النظر إليه، كأن يطلق الرجل بصره، فيتتبع عورات البشر، ويشاهد الصور والمقاطع الإباحية عن عمد للتمتع بالنظر إليها، وكذلك المرأة، وكل ما يحمل نفس المعنى من أفعال بصرية.
- زنا الأذن: فقد يتعجب البعض، هل الأذن تزني، نعم، وذلك عندما تسمع ما حرم الله تعالى سماعه، مثل سماع الكلام البذيء من الغير أو سماع الأغاني التي تثير الشهوة وتحرك الغريزة الإنسانية بشكلٍ سلبي.
- زنا اللسان: وهو التلفظ بما حرم الله تعالى، مثل الكلام بين الرجل والمرأة التي لا تحل له وليست زوجته بطريقة شهوانية، والحديث هنا يتضمن الحديث المباشر والحديث على الهاتف وفي المحادثات التي أصبحت بمثابة غرف مغلقة بين طرفين.
- زنا اليد: وهي لمس المرأة التي لا تحل للرجل حتى لو بمجرد السلام.
- زنا القدم: والذي يتمثل في السير والسعي إلى الأفعال التي حرمها الله تعالى.
- زنا القلب: وهو ما يعرف بزنا النفس، والذي يتمثل في تفكير الرجل بطريقة شهوانية في المرأة وتخيل تفاصيل ومفاتن جسدها وما إلى ذلك.
درجات الزنا
كما ورد في الشريعة الإسلامية اختلاف في درجات الزنا باختلاف المرأة التي يزني الرجل بها، فعلى الرغم من عدم صحة عبارة الحالات التي يجوز فيها الزنا، وأن كل أنواع الزنا في النهاية محرمة، إلا أن شدته قد تكون أكثر قبحًا حسب درجاته، والتي تتضمن كلٍ مما يلي:
- زنا المحارم: وهو أقبح وأعظم درجات الزنا، والتي يرتكب فيها الرجل الزنا مع امرأة لا تحل له من أقرابه، كالأخت أو الأم أو الخالة وغيرهم.
- زنا الأجنبية: وهو الزنا الذي يضاجع فيه الرجل امرأة غريبة عنه، وعظمته تأتي في أنه يسبب اختلاط الأنساب، وهو انتهاء للزوجية بالأخص إذا كانت المرأة متزوجة، حيث شدد الله تعالى عقوبة الزنا في حال كانت المرأة متزوجة.
- الزنا بامرأة الجار: فقد ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديثًا للنهي عن أذى الجار الذي قد يكون متمثلًا في معاشرة امرأته، فقال: “لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوائِقَهُ” [رواه مسلم بإسنادٍ صحيح] وفي الحديث الشريف اجتمعت حرمانية الزنا وإيذاء الجار في الوقت ذاته.
- الزنا بزوجة المجاهد: فقد سخر المجاهد نفسه لخدمة الدين، فإذا خان أحدهم الأمانة وزنا بزوجته فإنه يقف أمامه يوم القيامة ويأخذ حقه من حسناته.
- الزنا البلد الحرام أو في الأشهر الحرم: وحرمانية الزنا في هذه الحالة شديدة بسبب حرمة المكان التي يتم انتهاكها، وفي الأشهر الحرم كذلك لأنها الأوقات التي تخصص من كل عام للصلاة والتعبد، لذا وصفها الدين بالأشهر الحرم التي يكون الذنب فيها مضاعف.
اقرأ أيضًا: هل يجوز اللعب بمؤخرة الزوجة
أسباب الوقوع في الزنا
من خلال الحديث عن الحالات التي يجوز فيها الزنا يكون من الجدير بالذكر معرفة الأسباب التي قد تسبب انتهاء الأمر بالمسلم أو المسلمة مرتكبًا مثل هذا الذنب الكبير، ولكن مهما كانت الأسباب فهي ليست مبررًا لهذا الفعل، إنما معرفتها فقط لكي يحاول الإنسان السوي وقاية نفسه من الوقوع فيها، والتي تتضمن كلٍ مما يلي:
1ـ تأخر الزواج
دائمًا ما يقول الفقهاء وعلماء الدين إن الزواج هو أهم الطرق للحفاظ على النفس ومنعها من ارتكاب الفواحش، فالزواج عفة الرجل والمرأة، وفي بعض الأحيان يكون الحكم بالزواج أمرًا لا بد منه في حال وقوع الشخص في الزنا، بشرط أن يكون قادرًا على الإنفاق ولا يخاف أن يظلم من يتزوج.
2ـ الاختلاط المحرم
الاختلاط بالنساء بشكلٍ عام يعد من الأمور التي نهى عنها الشرع لكونه واحدًا من الأسباب التي قد تؤدي إلى وقوع الزنا، والاختلاط هنا يقصد به أن يجتمع الرجل بالمرأة التي ليست من محارمه في المكان ذاته بمفردها، ويكونا قادرين على التواصل بالنظر والكلام والإشارة في هذا المكان دون أن يكون هناك حائل يفصل بينهما.
3ـ الخلوة بالأجنبية
هي الخلوة التي تعني انفراد الرجل بامرأة أجنبية عنه في مكان يبعد عن أعين الناس، والخلوة في حد ذاتها من الكبائر التي يأثم المسلم لها، فالمرأة الأجنبية ليست من محارم الرجل، والمحارم هي المرأة التي لا يمكن للرجل الزواج منها بأمرٍ من الشرع والقرآن الكريم.
فمحارم الرجل: الأم، الابنة، الأخوات، الخالات والعمات، بنات الأخ وبنات الأخت، والدليل على تحريم هذه الخلوات هو قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
“ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأَةٍ إلَّا وَمعهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ امْرَأَتي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وإنِّي اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قالَ: انْطَلِقْ فَحُجَّ مع امْرَأَتِكَ” [رواه مسلم بإسنادٍ صحيح] كما قال أيضًا: “لا يخلوَنَّ رَجلٌ بامرأةٍ إلَّا كان ثالثَهُما الشَّيطانُ” [رواه الألباني في صحيح الجامع]
4ـ التخلي عن الحجاب الشرعي
حيث يعد الحجاب عفة للنفس وإخفاء لزينة المرأة التي تثير الشهوات من حولها، كما أن الحجاب يحافظ على الروح من الفتنة، لذا أمرنا الله تعالى بالالتزام به في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} [سورة الأحزاب: الآية 59]
5ـ إطلاق البصر
أمر الله تعالى المسلمين في إحدى الآيات القرآنية بغض البصر، وذلك في قوله تعالى:
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [سورة النور: الآية 30 – 31]
لا يقصد بغض البصر هنا أنه غض البصر عن البشر فقط، بل غض النظر عن عورات الغير وعن الأفلام والصور الإباحية التي أصبحت المسبب الرئيسي في زيادة شهوة الإنسان وتجعله يود تجربة الأمر كذلك.
اقرأ أيضًا: متى تكون العادة حلال للمراهقين
كفارة الزنا حسب أنواعه
بعد التأكد من أن الحالات التي يجوز فيها الزنا عبارة غير صحيحة نهائيًا ولا يوجد أي شكل من أشكال الزنا أو درجاته يمكن أن تكون محللة، يكون من الضروري في النهاية التعرف على كفارة مثل هذا الذنب الذي يعد من أكبر الكبائر التي قد يقع بها المسلم، وتختلف الكفارة حسب نوع الزنا الذي ارتكبه المسلم كالتالي:
1ـ كفارة الزنا الحقيقي
في حال وقع المسلم في ارتكاب الزنا الحقيقي وأتى الفاحشة مع امرأة ليست بزوجته، فتقام على كلٍ منهما كفارة من قبل السلطان أو من ينوب عنه حاليًا، مع العلم أن هناك العديد من الشروط والضوابط التي وضعها الدين الإسلامي لتنفيذ الكفارة، والتي تتمثل في اعتراف الزاني بفعله، ووجود أربعة من الشهود على ما فعله من إثم، التوبة النصوحة بين العبد وربه ولا يفشي بذلك للغير، والعديد من الشروط الأخرى.
كما تختلف كفارة الزنا الحقيقي ما إذا كانت المرأة متزوجة وكذلك الرجل أو لا، كالتالي:
- حد الزاني المحصن: وهو الزنا الذي يكون فيه طرفي الزنا متزوجين، وهي العقوبة الأشد لعدم وجود أي مبرر يجعلهما يرتكبا هذا الذنب، أي أن المتعة توفرت أمامهما بالحلال لكنهما أعرضا عنها، والحد الذي يقام عليهما في هذه الحالة هو الرجم حتى الموت.
- حد الزاني الغير محصن: فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [سورة النور: الآية 2] وذلك في حال كان الرجل والمرأة غير متزوجين، لذا يكون الحد الذي يقام عليهما أقل حدة.
2ـ كفارة الزنا المجازي
أما كفارة ثاني أنواع الزنا وهو الزنا المجازي فيكون أبسط، ففي حال ارتكاب المسلم أيٍ من الأفعال التي تندرج تحت مسمى الزنا المجازي من فعل أو قول أو نظرة أو السير في هذا الطريق بأي شكل من الأشكال لكنه لم يصل إلى مرحلة ممارسة الزنا الحقيقي، تكون كفارته هي التوبة عن أفعاله ومراجعة نفسه وأن يعد الله تعالى ونفسه ألا يعود إلى هذا الذنب مرةً أخرى.
الحالات التي يجوز فيها الزنا هي عبارة خاطئة لا يصح طرحها من الأساس، فمهما اختلفت درجات الزنا وأنواعه ففي النهاية هو زنا لا يوجد اختلاف على حرمانيته، إنما الاختلاف قد يكمن في كفارته فقط.